فصل: ظهور ذكرويه ومقتله.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ظهور ذكرويه ومقتله.

ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه وأخرجوه من الجب الذي كان مختفيا فيه منذ عشرين سنة وحضر عنده دعاتهم فاستخلف عليهم أحمد بن القاسم بن أحمد وعرفهم بما له عليهم من المنة وأن رشادهم في امتثال أمره ورمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرف تأويلها وسار وهو محتجب يدعونه السيد ولا يرونه والقاسم يباشر الأمور ويتولاها وبعث المكتفي عساكره فهزمهم القرامطة بالسواد وغنموا معسكرهم وساروا لاعتراض الحاج ومروا بالصوان وحاصروا الواقصة فامتنعت عليهم وطموا الآبار والمياه في تلك النواحي وبعث المكتفي محمد بن إسحق بن كنداج الصهال ورجعوا ونهب القرامطة الحاج وقتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثا على غير ماء فاستسلموا وغنم أموالهم وأموال التجار وأموال بني طولون كانوا نقلوها من مصر إلى مكة ثم من مكة إلى بغداد عندما أجمعوا النقل إليها ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص قيل فامتنعوا وجهز المكتفي العساكر مع وصيف بن صوارتكين وجماعة من القواد فساروا على طر يق خفان وأدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين ثم هزموهم وضرب ذكرويه على رأسه فانهشم وجيء به أسيرا وبخليفة القاسم وابنه وكاتبه وزوجته ومات لخمس ليال فسيق شلوه إلى بغداد وصلب وبعث برأسه إلى خراسان من أجل الحاج الذين نهبهم من أهلها ونجا الفل من أصحابه إلى الشام فأوقع بهم الحسين بن حمدان واستلحمهم وتتبعوا بالقتل في نواحي الشام والعراق وذلك سنة أربعين وتسعين وثلثمائة.

.خبر قرامطة البحرين ودولة بني الجنابي منها.

وفي سنة إحدى وثمانين ومائتين جاء إلى القطيعي من البحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدي وزعم أنه رسول من المهدي وأنه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف علي بن المعلى بن أحمد الدبادي وكان متغاليا في التشيع فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدي وشنع الخبر في سائر قرى البحرين فأجابوا كلهم وفيهم أبو سعيد الجنابي وإسمه الحسن بن بهرام وكان من عظمائهم ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة ورجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم ويأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير وثلاثين عن كل رجل تدفعوها ثم غاب وجاء بكتاب آخر يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا وقام يتردد في قبائل قيس ثم أظهر أبو سعيد الجنابي للدعوة بالبحرين سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليه القرامطة والأعراب وسار إلى القطيف طالبا البصرة وكان عليها أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي فأدار السور على البصرة وبعث المعتمد علي بن عمر الغنوي وكان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين وضم إليه ألفين من المقاتلة وسيره إلى البصرة فاحتشد وخرج للقاء الجنابي ومن معه ورجع عنه عند اللقاء بنوضبة فانهزم وأسره الجنابي واحتوى على معسكره وحرق الأسرى بالنار ثم من عليه وأطلقه فسار إلى الأبلة ومنها إلى بغداد وسار أبو سعيد إلى هجر فملكها وأمنها واضطربت البصرة للهزيمة وهم أهلها بالارتحال فمنعهم الواثقي ومن كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصا من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال: كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان وثلثمائة فنقل الكلام وكان أبو سعيد يمهد لابنه الأكبر سعيد فلم به وثار به أخوه الأصغر الظاهر سليمان فقتله وقام بأمرهم وبايعه العقدانية وجاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية وفي سنة ست وثمانين وصل أبو القاسم القائم إلى مصر واستدعى أبا طاهر القرمطي وانتظره فأعجله مؤنس الخادم عن انتظاره وسار من قبل المقتدر فهزمه ورجع إلى المهدية ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها ورجع واضطربت بغداد وأمر المقتدر بإصلاح ما تثلم من سورها ثم زحف إليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها وخرب الجامع وتركها خربة ثم خرج سنة إثنتي عشرة لاعتراض الحاج فأوقع بهم وهزم قواد السلطان الذين كانوا معهم وأسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون واستصفى النساء والصبيان وترك الباقي بالبرية فهلكوا ثم خرج سنة أرج عشرة إلى العراق فعاث في السواد ودخل الكوفة وفعل فيها أشد من البصرة وفي سنة أربع عشرة وقع بين العقدانية وأهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر وبني مدينة الأحساء وسماها المؤمنية فلم تعرف إلا به وبنى قصره وأصحابه حوله وفي سنة خمس عشرة استولى على عمان وهرب واليها في البحر إلى فارس وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات وعاث في بلاده وبعث المقتدر عن يوسف بن أبي الساج من أذربيجان وولاه واسط وبعثه لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة وهزمه أبو طاهر وأسره وأرجف أهل بغداد وسار أبو طاهر إلى الأنبار وخرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر وهرون بن غريب الحال فلم يطيقوا دفاعه وتوافقوا ثم تحاجزوا وعاد مؤنس إلى بغداد وسار هو إلى الرحبة واستباحها ودوخ بلاد الجزيرة بسراياه وسار إلى هشت والكوفة وقاتل الرقة فامتنعت عليه وفرض الأتاوة على أعراب الجزيرة يحملونها إلى هجر ودخل في دعوته جماعة من بنى سليم بن منصور وبني عامر بن صعصعة وخرج إليه هرون بن غريب الحال فانصرف أبو طاهر إلى البرية وظفر هرون بفريق منهم فقتلهم وعاد إلى بغداد وفي سنة سبع عشرة هجم على مكة وقتل كثيرا من الحاج ومن أهلها ونهب أموالهم جميعا وقلع باب البيت والميزاب وقسم كسوة البيت في أصحابه واقتلع الحجر الأسود وانصرف به وأراد أن يجعل الحج عنده وكتب إليه عبيد الله المهدي من القروان يوبخه على ذلك ويتهدده فكتب إليه بالعجز عن رده من الناس ووعد برد الحجر فرده سنة تسع وثلاثين بعد أن خاطبه منصور إسمعيل من القيروان في رده فردوه وقد كان الحكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفي بذل لهم خمسين ألفا من الذهب على أن يردوه فأبوا وزعموا أنهم إنما حملوه بأمر إمامهم عبيد الله وإنما يردونه بأمره وأمر خليفته وأقام أبو طاهر بالبحرين وهو يتعاهد العراق والشام بالغزو حتى ضربت له الأتاوة ببغداد وبدمشق على بني طفج ثم هلك أبو طاهر سنة اثنتين وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه ومات عن عشرة من الولد كبيرهم سابور وولى أخوه الأكبر أحمد بن الحسن واختلف بعض العقدانية عليه ومالوا إلى ولاية سابور بن أبي طاهر وكاتبو القائم في ذلك فجاء جوابه بولاية الأخ أحمد وأن يكون الولد سابور ولي عهده فاستقر أحمد في الولاية عليهم كنوه أبا منصور وهو الذي رد الحجر الأسود إلى مكانه كما قلناه ثم قبض سابور على عمه أبي منصور فاعتقله بموافقة إخوته له على ذلك وذلك سنة ثمان وخمسين ثم ثار بهم أخوه فأخرجه من الاعتقال وقتل سابور ونفى إخوته وأشياعهم إلى جزيرة أوال ثم هلك أبو منصور سنة تسع وخمسين يقال مسموما على يد شيعة سابور وولي ابنه أبو علي الحسن بن أحمد ويلقب الأعصم وقيل الأغنم فطالت مدته وعظمت وقائعه ونفى جمعا كثيرا من ولد أبي طاهر يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلثمائة وحج هذا الأعصم بنفسه ولم يتعرض للحاج ولا أنكر الخطبة للمطيع.